فصل: تفسير الآيات (81- 82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (81- 82):

{أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}
{أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} هذا خطاب للكفار، والحديث المشار إليه هو القرآن، ومدهنون معناه متهاونون، وأصله من المداهنة وهي لين الجانب والموافقة بالظاهر لا بالباطن قال ابن عباس معناه مكذبون {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال ابن عطية: أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر إنه نزل بنوء كذا وكذا، والمعنى تجعلون شكر رزقكم التكذيب، فحذف شكر أنكم تَكْذِبون وكذلك قرأ ابن عباس إلا أنه قرأ تكذِّبون بضم التاء والتشديد كقراءة الجماعة وقراءة علي بفتح التاء وإسكان الكاف من الكذب أي يكذبون في قولهم: نزل الطر بنوء كذا ومن هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكواكب وكافر بي مؤمن بالكواكب فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكوكب كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» والمنهي عنه في هذا الباب أن يعتقد أن للكواكب تأثيراً في المطر، وأما مراعة العوائد التي أجراها الله تعالى فلا بأس به لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة»، وقد قال عمر للعباس وهما في الاستسقاء: كم بقي من نوء الثريا فقال العباس: العلماء يقولون إنها تعترض في الأوفق بعد سقوطها سبعاً، قال ابن الطيب: فما مضت سبع حتى مطروا، وقيل: إن معنى الآية تجعلون سبب رزقكم تكذيبكم للنبي صلى الله عليه سلم فإنهم كانوا يقولون: إن آمنا به حرمنا الله الرزق، كقولهم: {إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ} [القصص: 57] فأنكر الله عليهم ذلك. وإعراب أنكم على هذا القول مفعول بتجعلون على حذف مضاف تقديره: تجعلون سبب رزقكم التكذيب، ويحتمل أن يكون معفولاً من أجله تقديره: تجعلون رزقكم حاصلاً من أجل أنكم تكذبون، وأما على القول الأول فإعراب أنكم تكذبون مفعول لا غيره.

.تفسير الآيات (83- 85):

{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)}
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم} لولا هنا عرض والضمير في بلغت للنفس، لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وبلوغها للحلقوم حين الموت، والفعل الذي دخلت عليه لولا هو قوله: {تَرْجِعُونَهَآ} أي: هلا رددتم النفس حين الموت، ومعنى الآية احتجاج على البشر وإظهار لعجزهم لأنهم إذا حضر أحدهم الموت لم يقدروا أن يردوا روحه إلى جسده، وذلك دليل على أنهم عبيد مقهورون {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} هذا خطاب لمن يحضر الميت من أقاربه وغيرهم، يعني تنظرون إليه ولا تقدرون له على شيء {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} يحتمل أن يريد قرب نفسه تعالى بعلمه واطلاعه، أو قرب الملائكة الذين يقبضون الأرواح، فيكون من قرب المسافة {ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ} إن أراد بقوله {نحن أقرب} الملائكة فقوله: {لاَّ تُبْصِرُونَ} من رؤية العين، وإن أراد نفسه تعالى فهو من رؤية القلب.

.تفسير الآيات (86- 87):

{فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)}
{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} لولا هنا عرض كالأولى وكررت للتأكيد والبيان لما طال الكلام، والفعل الذي دخلت عليه لولا الأولى والثانية قوله: {تَرْجِعُونَهَآ} أي: هلا رددتم النفس إلى الجسد إذا بلغت الحلقوم؛ إن كنتم غير مدينين، وغير مربوبين ومقهورين، فافعلوا ذلك إن كنتم صادقين في كفركم. وترتيب الكلام: فلولا ترجعون النفس إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين فارجعوا إن كنتم صادقين.

.تفسير الآيات (88- 89):

{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)}
{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين} الضمير في كان للمتوفي وكرر هنا ما ذكره في أول السورة من تقسيم الناس إلى ثلاثة أصنام السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فالمراد بالمقربين هنا السابقون المذكورون هناك {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} الروح الاستراحة وقيل: الرحمة روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ فَرُوحٌ بضم الراء ومعناه الرحمة وقيل: الخلود أي بقاء الروح وأما الريحان فقيل: إنه الرزق وقيل: الاستراحة وقيل: الطيب وقيل الريحان المعروف وفي قوله: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} ضرب من ضروب التجنيس.

.تفسير الآية رقم (91):

{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)}
{فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين} معنى هذا على الجملة نجاة أصحاب اليمين وسعادتهم، والسلام هنا يحتمل أن يكون بمعنى السلامة أو التحية، والخطاب في ذلك يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأحد من أصحاب اليمين؛ فإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فالسلام بمعنى السلامة والمعنى: سلام لك يا محمد منهم أي لا ترى منهم إلا السلامة من العذاب، وإن كان الخطاب لأحد من أصحاب اليمين فالسلام بمعنى التحية والمعنى: سلام لك أي تحية لك يا صاحب اليمين من إخوانك، وهم أصحاب اليمين، أي يسلمون عليك فهو كقوله: {إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً} [الواقعة: 26]، أو يكون بمعنى السلامة والتقدير: سلامة لك يا صاحب اليمين، ثم يكون قوله: {مِنْ أَصْحَابِ اليمين} خبر ابتداء مضمر تقديره أنت من أصحاب اليمين.

.تفسير الآيات (92- 93):

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93)}
{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين} يعني الكفار وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة {فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ} النزل أول شيء يقدّم للضيف.

.تفسير الآية رقم (95):

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)}
{إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} الإشارة إلى تضمنته هذه السورة من أحوال الخلق في الآخرة، وحق اليقين معناه: الثابت من اليقين، وقيل: إن الحق واليقين بمعنى واحد، فهو من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله: مسجد الجامع، واختار ابن عطية أن يكون كقولك في أمر توكده: هذا يقين اليقين أو صواب الصواب، بمعنى أنه نهاية الصواب.

.تفسير الآية رقم (96):

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}
«{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} قال عليه السلام: اجعلوها في سجودكم» فلذلك استحب مالك وغيره أن يقول في السجود سبحان ربي الأعلى وفي الركوع سبحان ربي العظيم وأوجبه الظاهرية، ويحتمل أن يكون المعنى تسبيح الله بذكر أسمائه، والاسم هنا جنس الأسماء والتعظيم صفة للرب أو يكون الاسم هنا واحداً والعظيم صفة له، وكأنه أمره أن يسبح بالاسم الأعظم. ويؤيد هذا ويشير إليه اتصال سورة الحديد بها وفي أولها التسبيح وجملة من أسماء الله وصفاته، قال ابن عباس: اسم الله العظيم الأعظم موجود في ست آيات من أول سرة الحديد، وروي أن الدعاء عند قراءتها مستجاب.

.سورة الحديد:

.تفسير الآية رقم (1):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}
{سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} هذا التسبيح المذكور هنا وفي أوائل سائر السور المسبحات يحتمل أن يكون حقيقة، أو أن يكون بلسان الحال؛ لأن كل ما في السموات والأرض دليل على وجود الله وقدرته، وحكمته، والأول أرجح لقوله: {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]، وذكر التسبيح هنا وفي الحشر والصف بلفظ سبح الماضي، وفي الجمعة والتغابن بلفظ يسبحُ المضارع، وكل واحد منهما يقتضي الدوام.

.تفسير الآية رقم (3):

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)}
{هُوَ الأول والآخر} أي ليس لوجوده بداية ولا لبقائه نهاية {والظاهر والباطن} أي الظاهر للعقول بالأدلة، والبراهين الدالة على الباطن، الذي لا تدركه الأبصار، أو الباطن الذي لا تصل العقول إلى معرفة كنة ذاته، وقيل: الظاهر: العالي على كل شيء فهو من قولك: ظهرت على الشيء إذا علوت عليه، والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه، والأول أظهر وأرجح. ودخلت الواو بين هذه الصفات لتدل على أنه تعالى جامع لها، مع اختلاف معاينها، وفي ذلك مطابقة لفظية، وهي من أحسن أدوات البيان.

.تفسير الآية رقم (4):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)}
{ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قد ذكر في [الأعراف: 53] وكذلك ما بعده {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} يعني أنه حاضر مع كل أحد بعلمه وإحاطته. وأجمع العلماء على تأويل هذه الآية بذلك.

.تفسير الآية رقم (6):

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)}
{يُولِجُ الليل} ذكر في [الحج: 61، ولقمان: 29].

.تفسير الآية رقم (7):

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}
{وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} يعني الإنفاق في سبيل الله وطاعته، وروي أنها نزلت في الإنفاق في غزوة تبوك، وعلى هذا روي أن قوله: {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا} نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإنه جهز جيش العسرة يومئذ، ولفظ الآية مع ذلك عام وحكمها باق لجميع الناس، وقوله: مستخلفين فيه يعني أن الأموال التي بأيديكم إنما هي أموال الله؛ لأنه خلقها، ولكنه متَّعكم بها وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فلا تمنعوها من الإنفاق فيما أمركم مالكها أن تنفقوها فيه، ويحتمل أن يكون {جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ} عمن كان قبلكم فورثتم عنه الأموال، فأنفقوها قبل أن تخلفوها لمن بعدكم، كما خلفها لكم من كان قبلكم، والمقصود على كل وجه: تحريض على الإنفاق وتزهيد في الدنيا.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله} معناه أي شيء يمنعكم من الإيمان، والرسول يدعوكم إليه بالبراهين القاطعة والمعجزات الظاهرة؟ فقوله: {وَمَا لَكُمْ} استفهام يراد به الإنكار، و{لاَ تُؤْمِنُونَ} في موضع الحال من معنى الفعل الذي يقتضيه ما لكم. في قوله: {الرسول يَدْعُوكُمْ} {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} يحتمل أن يكون هذا الميثاق ما جعل في العقول من النظر الذي يؤدي إلى الإيمان، أو يكون الميثاق الذي أخذه على بني آدم؛ حين أخرجهم من ظهر آدم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى.

.تفسير الآيات (9- 10):

{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}
{هُوَ الذي يُنَزِّلُ على عَبْدِهِ آيَاتٍ} يعني سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، والعبودية هنا للتشريف والاختصاص، والآيات هنا القرآن: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} الآية: معناه أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟ والله يرث ما في السموات والأرض إذا فني أهلها. ففي ذلك تحريض على الإنفاق وتزهيد في الدنيا {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ} الفتح هنا فتح مكة، وقيل: صلح الحديبية، والأول أظهر وأشهر، ومعنى الآية التفاوت في الأجر والدرجات؛ بين من أنفق في سبيل الله وقاتل قبل فتح مكة، وبين من أنفق وقاتل بعد ذلك، فإن الإسلام قبل الفتح كان ضعيفاً، والحاجة إلى الانفاق والقتال كانت أشد، ويؤخذ من الآية أن من أنفق في شدة أعظم أجراً ممن أنفق في حال الرخاء، وفي الآية حذف دل عليه الكلام تقديره: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل مع من أنفق من بعد الفتح وقاتل. ثم حذف ذلك لدلالة قوله: {أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ} وفي هذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه»، يعني السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وخاطب بذلك من جاء بعدهم من سائر الصحابة، ويدخل في الخطاب كل من يأتي إلى يوم القيامة {وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى} أي كل واحدة من الطائفتين الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح وبعده؛ وعدهم الله الجنة.

.تفسير الآية رقم (11):

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}
{مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} ذكر في [البقرة: 245].

.تفسير الآية رقم (12):

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}
{يَوْمَ تَرَى} العامل في الظرف آجر كريم أو تقدير اذكر {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} قيل: إن هذا النور استعارة يراد به الهدى والرضوان، والصحيح هو قول الجمهور أنه حقيقة، وقد روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى على هذا أن المؤمنين يكون لهم يوم القيامة نور يضيء قدَّامهم وعن يمين كل واحد منهم. وقيل: يكون أصله في أيمانهم يحملونه فينبسط نوره قدامهم، وروي أن نور كل أحد على قدر إيمانه، فمنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يضيء ما قرب من قدميه، ومنهم من يضيء مرة ويهمُّ بالإطفاء مرة، قال ابن عطية: ومن هذه الآية أخذ الناس مشي المعتَق بالشمعة قُدَّام معتِقه إذا مات {بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ} أي يقال لهم ذلك.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)}
{يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} {يَوْمَ} بدل من يوم ترى أو متعلق بالفوز العظيم، أو بمحذوف: تقديره اذكر ومعنى الآية: أن كل مؤمن مظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نوراً فيبقى نور المؤمنين وينطفئ نور المنافقين، فيقول المنافقون للمؤمنين، {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} أي نأخذ منه ونستضيء به. ومعنى انظرونا: انتظرونا. وذلك لأن المؤمنين يسرعون إلى الجنة كالبرق الخاطف، والمنافقون ليسوا كذلك. ويحتمل أن يكون من النظر أي انظروا إلينا، لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فاستضاؤوا بنورهم. ولكن يضعف هذا لأن نظر إذا كان بمعنى النظر بالعين يتعدى بإلى، وقرئ انظرونا بهمزة قطع ومعناه أخرونا أي أمهلونا في مشيكم حتى نحلقكم {قِيلَ ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً} يحتمل أن يكون هذا من قول المؤمنين، أو قول الملائكة ومعناه الطرد للمنافقين، والتهكم بهم؛ لأنهم قد علموا أن ليس وراءهم نور، {وَرَآءَكُمْ} ظرف العامل فيه {ارجعوا} وقيل: إنه لا موضع له من الإعراب، وأنه كما لو قال: ارجعوا ومعنى هذا الرجوع، ارجعوا إلى الموقف فالتمسوا فيه النور، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بتحصيل الإيمان أو ارجعوا خائبين، وتنحوا عنا فالتمسوا نوراً آخر، فلا سبيل لكم إلى هذا النور {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} أي ضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور يفصل بينهم، وفي ذلك السور باب لأهل الجنة يدخلون منه وقيل: إن هذا السور هو الأعراف وهو سور بين الجنة والنار. وقيل: هو الجدار الشرقي من بيت المقدس، وهذا بعيد {بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب} باطنه هو جهة المؤمنين، وظاهره هو جهة المنافقين وهي خارجة. كقوله ظاهر المدينة أي خارجها. والضمير في باطنه وظاهره يحتمل أن يكون للسور أو للباب والأول أظهر.